كتب الاستاذ الجامعي عبد الرحيم منار اسليمي مقالا بعنوان "بنكيران يخرق الدستور بإقرار إصلاح التقاعد سنة 2017"، وقد استهله بالقول "يحمل مشروع إصلاح أنظمة التقاعد الذي تعتزم الحكومة عرض نصوصه على البرلمان مؤشرا على خرق دستوري خطير محتمل"، وهنا حق طرح التساؤل التالي: كيف يستقيم من الناحية التحليلية أو العلمية أن تكون هناك مؤشرات على "خرق دستوري" "خطير"، وفي نفس الوقت "محتمل"، أي أن الكاتب وإن سعى الى تقديم تحليله على أنه علمي، إلا أنه لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية العلمية لمثل هذا الكلام، الغير قائم على أي أساس موضوعي.
يقول الكاتب في مقاله المنشور، "الدستور واضح في تنصيصه على مدى زمني محدد في خمس سنوات لمجلس النواب، وأن هذا الاجراء يطيل عمر الحكومة إلى ما بعد 2017"، والحال أن حكومات الدول تقوم بإصلاحات كبرى تمتد لسنوات طوال، وتأتي من بعدها حكومات وتذهب أخرى، ولا يطرح هذا الإشكال، وكأن سياسة الدولة بمنطق اسليمي، أن على الحكومة أن تدبر يومها ونهارها، ولا تتجاوزه الى المتوسط المدى والبعيد.
يقول الخبير الاستراتيجي في مقاله أيضا أنه "لا يوجد في الدستور ما يمنح رئيس الحكومة الحق قانونيا لوضع نصوص وربط بدايتها بفترة زمنية مستقبلية"، وكأن ابن كيران سيفرض الإصلاح ويلزم به الأمة برمتها، والحال أن البرلمان، وهو ممثل الشعب، سيقرر في تفاصيل هذا الاصلاح، سواء من حيث الإجراءات أو بداية التفعيل أو طرق هذا التفعيل، كما بإمكان البرلمان أن يرفضه بالمجمل، وعليه، فإن التعليل الذي قدمه اسليمي يتهاوى أمام منطق الدستور الذي يتحدث به الباحث الاستراتيجي.
ويتابع في تحليله "بنكيران يفرض بذلك على الحكومة المقبلة مشروعا أساسيا في حياة المغاربة لتطبيقه، ويتدخل بذلك في اختياراتها"، وهنا نلحظ تقزيما غير مفهوم من الباحث لدور الحكومة، هل الحكومة المقبلة ستكون في أريحية وفي فسحة من أمرها إن هي لم تجد أي إجراء قامت به الحكومة الحالية بخصوص التقاعد، وإن هي وجدت قطار إصلاح التقاعد قد انطلق ستنهار وستجد نفسها مكبلة وغير قادرة على الحركة، الغريب أن التقاعد ما هو الا جزء بسيط من مهام الحكومة وليس هو دور الحكومة، والغريب أيضا أن الخسائر التي ستتكبدها الحكومة القادمة في حالة عدم الاصلاح ستكون كبيرة ومضاعفة عن تكلفة الاصلاح في حال انطلاقه في 2017.
"يرتفع سقف الخطورة أكثر بالتحليل السياسي لاختيار بنكيران الشروع في تطبيق الإصلاح سنة 2017"، يضيف المحلل، "فالأمر يتعلق بفرضيتين: الأولى قد تكون مناورة في شكل دعاية انتخابية تعطي الانطباع بأن بنكيران وحزبه مستمران في قيادة الحكومة، التي ستنبثق عن انتخابات سنة 2016"، والحال أن الكاتب قد غفل عن المقدمة التي طرحها، والقائمة على أن ابن كيران يحاول توريط الحكومة المقبلة، فإذا كان يحاول توريطها كيف يستقيم أن نفترض أن السبب هو سعيه للعودة في 2016 لقيادة الحكومة؟. وتقوم الفرضية الثانية، بحسب الكاتب "أن بنكيران اختار سنة 2017 للتطبيق للهروب بحزبه، وباقي مكونات الأغلبية في حكومته، من أي مسؤولية أمام الناخبين في سنة 2016"، هذه الفرضية ستكون أقوى من سابقتها لو أن الاعلان عن مترتبات الاصلاح تم بعد الانتخاب، عندها سنكون أمام استغلال للمواطن وتهريب للنقاش الى ما بعد الامتحان، أما اليوم فنحن في سنة مفصلية، والحكومة أعلنت للجميع عن مسألة الاقتطاع والرفع من سن التقاعد وغيرها، والمواطن أمامه كل المعطيات، التي ستتيح له اختيار هذه الحكومة أو معاقبتها، بل إن عودة هذه الحكومة لقيادة المشهد في ولاية ثانية، ستكون اجابة عن سؤال المغاربة وتقييمهم لتدبير الحكومة ليس فقط في اصلاح المقاصة والتقاعد وغيرها، بل وفي الروح العامة التي طبعت المرحلة برمتها.
عن موقع البيجيدي.ما