اسماعيل الحلوتي
قبل توليه قيادة حكومة "أجمل بلد في العالم"، توعد كبير "البيجيديين" السيد: عبد الإله بنكيران ناهبي ثروات البلاد وكل من له صلة بالفساد والتزوير وتبديد واختلاس وتهريب أموال عمومية... بالويل والثبور، فاستبشر الناس خيرا، ولبثوا ينتظرون بلهفة انطلاق حملة التطهير المزعومة. مضت أربع سنوات برتابة وكآبة، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بعودة الأمل المفقود. وهاهي حكومته في نزعها الأخير، فهل استطاع القضاء على الفساد أو على الأقل الحد من دواعيه؟
قد يسجل علينا التاريخ خطيئة كبرى في حق المغاربة إذا ما جاء ردنا إيجابيا، لاسيما أن الرجل لم يتمكن حتى من نيل شرف المحاولة، إذ وجد ضالته فقط في اتخاذ قرارات عشوائية ولاشعبية، أهلكت الحرث والنسل، ك: إنهاك كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالغلاء الفاحش، تكريس الفوارق الطبقية، التراجع عن المكتسبات، انتهاك حقوق الإنسان، التضييق على الحريات وإغراق البلاد في مستنقعات المديونية... واتضح أن الحفاظ على منصبه يشكل أهم أولوياته، من خلال قولته الشهيرة: "عفا الله عما سلف"، وتحالفه مع من ظل ينعته بأقبح أوصاف الفساد، السيد: صلاح الدين مزوار الأمين العام لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، إبان انسحاب كبير حلفائه "حزب الاستقلال" في يوليوز 2013.
فعلى طريقة الغرين بويز "ناري ناري، الرجا جايا"، أحدثت حكومته لغطا صاخبا بطرحها قضية دفاتر التحملات عن إصلاح الإعلام العمومي، ونشر لوائح مبهمة ومبتورة بأسماء مستفيدين من مأذونيات النقل الطرقي، والسكن الوظيفي بوزارة التربية الوطنية، دون المساس بمحتكري مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار واستغلال رخص سيارات الأجرة... وتبين فيما بعد أن الأمر مجرد فرقعة إعلامية فارغة، لإلهاء المواطنين عن مشاكلهم الحقيقية، وإسكات الأصوات المطالبة حتى من داخل الحزب الحاكم بترجمة الوعود على أرض الواقع. فما جدوى نشر لوائح لا تعقبها إجراءات صارمة، تساعد على تفكيك بنية اقتصاد الريع ونظام الامتيازات في إطار الشفافية؟ فرغم ما لقيته من دعم المجتمع المدني وجمعيات محاربة الرشوة وحماية المال العام، تواصل مسلسل الامتيازات الريعية والضريبية، والصفقات المشبوهة في التعليم والسكن والمواصلات والمؤسسات البنكية... حتى أن وزير العدل والحريات نفسه، السيد: مصطفى الرميد، صرح ذات يوم بأن الحكومة لن تنشغل ب"مطاردة الساحرات" وفتح ملفات العهد السابق. وكأننا بوزارته غارقة حد الأذنين في متابعة أباطرة الفساد، ومعالجة تقارير المجلس الأعلى للحسابات، حول الجرائم المالية والإدارية... !!!!
ويعد الإفلات من العقاب، أحد أبرز العوامل المساعدة على استشراء الفساد وتفشي مختلف مظاهره، من: تدليس ورشوة ومحسوبية وتزوير إرادة الناخبين صغارا وكبارا... لذا كان ضروريا تنفيذ القانون، باعتباره واجبا دستوريا وأخلاقيا وسياسيا، يأتي في مقدمة ربط المسؤولية والمحاسبة، والإقرار بألا أحد يملك حق العفو عن المجرمين، مادامت متابعتهم مسؤولية قضائية...
فقد أصبح مغرب ما بعد "الربيع العربي"، يعرف نكوصا واحتقانا لم يشهد لهما التاريخ المعاصر مثيلا، مما بات يهدد الاستقرار وينذر بالانفجار، ما لم يتم تدارك الأمور. وكيفما كان الحال، لم يكن مقبولا تبرير الحكومة لفشل رئيسها في منازلة الفساد، بتحويل مدفعيتها نحو الموظفين، وتأليب الرأي العام ضدهم تحت ذريعة التقاعس والتقصير في العمل، لاسيما في القطاعات الاجتماعية الأكثر حساسية، التي تقتضي إصلاحات بنيوية وهيكلية عاجلة: التعليم والصحة والعدالة.
ذلك أن الحكومة أفقدت الإضراب مشروعيته وحولته إلى مجرد غياب غير مبرر، يعرض صاحبه إلى الخصم من الأجرة، ويحشره ضمن زمرة منعدمي الضمير، الساعين إلى تعطيل مصالح العباد والبلاد... ففي وزارة التربية الوطنية، سواء إبان فترة الوزير محمد الوفا أو خلفه رشيد بلمختار، تم الإصرار على تحميل المدرسين مسؤولية أزمة التعليم، واتهامهم بتدريس الخرافات والتهاون والعنف والتحرش الجنسي والافتقار إلى الحس الوطني والتكوين الجيد والكفاءة المهنية... واستفزازهم بعدم الترخيص لهم بإنجاز ساعات إضافية بالتعليم الخاص، ومنعهم من متابعة دراساتهم العليا. ناهيكم عن تمديد سن الإحالة على التقاعد النسبي إلى ثلاثين سنة بدل 21 سنة للرجال و15 سنة للنساء، وإجبار البالغين سن التقاعد حد السن على مواصلة العمل إلى غاية 31 غشت دون موجب حق، لسد الخصاص !
أما بوزارة الصحة، فلم يفتأ "البروفسور" الحسين الوردي يشد الحبل مع سائر العاملين بالقطاع، حيث واصل استهداف الأطباء، وتصويرهم كمصاصي دماء يرجحون مصالحهم الذاتية على أحوال المرضى، والزعم بكونهم متقاعسين في أداء واجباتهم ويرفضون العمل في المناطق النائية، والتهديد باستقدام أطباء أجانب لسد الفراغ الحاصل هناك، لولا اصطدامه بمعارضة قوية، جعلته يحاول فرض "الخدمة الوطنية الإجبارية" على الأطباء الجدد، بيد أن محاولته باءت بالفشل الذريع. ألم يكن من الأفيد، الانكباب على إيجاد حلول لما تعانيه منشآت القطاع الصحي من ترد صارخ في الخدمات واللوجستيك، ونقص في الأطر الطبية والتجهيزات...؟
ولعل الأفظع، هو ما يتعرض له القضاة الشرفاء من هجمة شرسة، على يد السيد: مصطفى الرميد، الذي لا يفوت فرصة دون الانهيال عليهم بما يحط من كرامتهم، فمرة نعتهم بعمال البلدية وأخرى ب"شعب الله المختار"... لا لشيء سوى أنهم يرفضون قوانين تمس باستقلال السلطة القضائية، ولا تتوافق مع دستور 2011. فضلا عن جر البعض منهم إلى المثول أمام المجلس الأعلى، بدعوى الإخلال بواجب التحفظ.... فهل بالتشنج والتعالي، يمكن إصلاح منظومة العدالة؟
إن اضطهاد الموظفين والسعي إلى ضرب استقرارهم المهني والاجتماعي، ومحاولة إنعاش نظام التقاعد على حسابهم، ينم عن افتقار الحكومة للجرأة والإرادة السياسية، ويعكس انزياحها عن الاتجاه الصحيح، وفشلها في وضع استراتيجية متكاملة لمقاومة الفساد، رغم ما توفر لرئيسها من صلاحيات دستورية واسعة. وإلا ما معنى استمرار تحكم "التماسيح والعفاريت" في مفاصل الدولة؟
قبل توليه قيادة حكومة "أجمل بلد في العالم"، توعد كبير "البيجيديين" السيد: عبد الإله بنكيران ناهبي ثروات البلاد وكل من له صلة بالفساد والتزوير وتبديد واختلاس وتهريب أموال عمومية... بالويل والثبور، فاستبشر الناس خيرا، ولبثوا ينتظرون بلهفة انطلاق حملة التطهير المزعومة. مضت أربع سنوات برتابة وكآبة، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بعودة الأمل المفقود. وهاهي حكومته في نزعها الأخير، فهل استطاع القضاء على الفساد أو على الأقل الحد من دواعيه؟
قد يسجل علينا التاريخ خطيئة كبرى في حق المغاربة إذا ما جاء ردنا إيجابيا، لاسيما أن الرجل لم يتمكن حتى من نيل شرف المحاولة، إذ وجد ضالته فقط في اتخاذ قرارات عشوائية ولاشعبية، أهلكت الحرث والنسل، ك: إنهاك كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالغلاء الفاحش، تكريس الفوارق الطبقية، التراجع عن المكتسبات، انتهاك حقوق الإنسان، التضييق على الحريات وإغراق البلاد في مستنقعات المديونية... واتضح أن الحفاظ على منصبه يشكل أهم أولوياته، من خلال قولته الشهيرة: "عفا الله عما سلف"، وتحالفه مع من ظل ينعته بأقبح أوصاف الفساد، السيد: صلاح الدين مزوار الأمين العام لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، إبان انسحاب كبير حلفائه "حزب الاستقلال" في يوليوز 2013.
فعلى طريقة الغرين بويز "ناري ناري، الرجا جايا"، أحدثت حكومته لغطا صاخبا بطرحها قضية دفاتر التحملات عن إصلاح الإعلام العمومي، ونشر لوائح مبهمة ومبتورة بأسماء مستفيدين من مأذونيات النقل الطرقي، والسكن الوظيفي بوزارة التربية الوطنية، دون المساس بمحتكري مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار واستغلال رخص سيارات الأجرة... وتبين فيما بعد أن الأمر مجرد فرقعة إعلامية فارغة، لإلهاء المواطنين عن مشاكلهم الحقيقية، وإسكات الأصوات المطالبة حتى من داخل الحزب الحاكم بترجمة الوعود على أرض الواقع. فما جدوى نشر لوائح لا تعقبها إجراءات صارمة، تساعد على تفكيك بنية اقتصاد الريع ونظام الامتيازات في إطار الشفافية؟ فرغم ما لقيته من دعم المجتمع المدني وجمعيات محاربة الرشوة وحماية المال العام، تواصل مسلسل الامتيازات الريعية والضريبية، والصفقات المشبوهة في التعليم والسكن والمواصلات والمؤسسات البنكية... حتى أن وزير العدل والحريات نفسه، السيد: مصطفى الرميد، صرح ذات يوم بأن الحكومة لن تنشغل ب"مطاردة الساحرات" وفتح ملفات العهد السابق. وكأننا بوزارته غارقة حد الأذنين في متابعة أباطرة الفساد، ومعالجة تقارير المجلس الأعلى للحسابات، حول الجرائم المالية والإدارية... !!!!
ويعد الإفلات من العقاب، أحد أبرز العوامل المساعدة على استشراء الفساد وتفشي مختلف مظاهره، من: تدليس ورشوة ومحسوبية وتزوير إرادة الناخبين صغارا وكبارا... لذا كان ضروريا تنفيذ القانون، باعتباره واجبا دستوريا وأخلاقيا وسياسيا، يأتي في مقدمة ربط المسؤولية والمحاسبة، والإقرار بألا أحد يملك حق العفو عن المجرمين، مادامت متابعتهم مسؤولية قضائية...
فقد أصبح مغرب ما بعد "الربيع العربي"، يعرف نكوصا واحتقانا لم يشهد لهما التاريخ المعاصر مثيلا، مما بات يهدد الاستقرار وينذر بالانفجار، ما لم يتم تدارك الأمور. وكيفما كان الحال، لم يكن مقبولا تبرير الحكومة لفشل رئيسها في منازلة الفساد، بتحويل مدفعيتها نحو الموظفين، وتأليب الرأي العام ضدهم تحت ذريعة التقاعس والتقصير في العمل، لاسيما في القطاعات الاجتماعية الأكثر حساسية، التي تقتضي إصلاحات بنيوية وهيكلية عاجلة: التعليم والصحة والعدالة.
ذلك أن الحكومة أفقدت الإضراب مشروعيته وحولته إلى مجرد غياب غير مبرر، يعرض صاحبه إلى الخصم من الأجرة، ويحشره ضمن زمرة منعدمي الضمير، الساعين إلى تعطيل مصالح العباد والبلاد... ففي وزارة التربية الوطنية، سواء إبان فترة الوزير محمد الوفا أو خلفه رشيد بلمختار، تم الإصرار على تحميل المدرسين مسؤولية أزمة التعليم، واتهامهم بتدريس الخرافات والتهاون والعنف والتحرش الجنسي والافتقار إلى الحس الوطني والتكوين الجيد والكفاءة المهنية... واستفزازهم بعدم الترخيص لهم بإنجاز ساعات إضافية بالتعليم الخاص، ومنعهم من متابعة دراساتهم العليا. ناهيكم عن تمديد سن الإحالة على التقاعد النسبي إلى ثلاثين سنة بدل 21 سنة للرجال و15 سنة للنساء، وإجبار البالغين سن التقاعد حد السن على مواصلة العمل إلى غاية 31 غشت دون موجب حق، لسد الخصاص !
أما بوزارة الصحة، فلم يفتأ "البروفسور" الحسين الوردي يشد الحبل مع سائر العاملين بالقطاع، حيث واصل استهداف الأطباء، وتصويرهم كمصاصي دماء يرجحون مصالحهم الذاتية على أحوال المرضى، والزعم بكونهم متقاعسين في أداء واجباتهم ويرفضون العمل في المناطق النائية، والتهديد باستقدام أطباء أجانب لسد الفراغ الحاصل هناك، لولا اصطدامه بمعارضة قوية، جعلته يحاول فرض "الخدمة الوطنية الإجبارية" على الأطباء الجدد، بيد أن محاولته باءت بالفشل الذريع. ألم يكن من الأفيد، الانكباب على إيجاد حلول لما تعانيه منشآت القطاع الصحي من ترد صارخ في الخدمات واللوجستيك، ونقص في الأطر الطبية والتجهيزات...؟
ولعل الأفظع، هو ما يتعرض له القضاة الشرفاء من هجمة شرسة، على يد السيد: مصطفى الرميد، الذي لا يفوت فرصة دون الانهيال عليهم بما يحط من كرامتهم، فمرة نعتهم بعمال البلدية وأخرى ب"شعب الله المختار"... لا لشيء سوى أنهم يرفضون قوانين تمس باستقلال السلطة القضائية، ولا تتوافق مع دستور 2011. فضلا عن جر البعض منهم إلى المثول أمام المجلس الأعلى، بدعوى الإخلال بواجب التحفظ.... فهل بالتشنج والتعالي، يمكن إصلاح منظومة العدالة؟
إن اضطهاد الموظفين والسعي إلى ضرب استقرارهم المهني والاجتماعي، ومحاولة إنعاش نظام التقاعد على حسابهم، ينم عن افتقار الحكومة للجرأة والإرادة السياسية، ويعكس انزياحها عن الاتجاه الصحيح، وفشلها في وضع استراتيجية متكاملة لمقاومة الفساد، رغم ما توفر لرئيسها من صلاحيات دستورية واسعة. وإلا ما معنى استمرار تحكم "التماسيح والعفاريت" في مفاصل الدولة؟