أساليب بيداغوجية لتكوين وتخريج المتعلم الناقد

ذ. محمد ايت العربي. -زاكورة

إن من النوايا والهواجس التي ينبغي أن يهتم بها الخطاب الإصلاحي لحقل التربية والتكوين ببلادنا( المغرب)، خصوصا بعد هذا الانفتاح المهول على مختلف الثقافات، التخطيط لإعداد وتخريج متعلم(ة) قادر على خوض الألفية الثالثة. ولعل الإرهاصات الأولية للاستراتيجية الإصلاحية الجديدة التي تتبناها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تنبئ عن الاهتمام بهذا الهاجس الكبير .
لا يسعنا إلا تثمين كل استراتيجية تتغيى جعل المتعلم- فعلا لا شعارا فحسب- محور العملية التربوية. بل ونضم صوتنا إلى من ينادي بالتخطيط لتخريج المتعلم المبدع والناقد، وذلك بمساعدته و تهييئه ما أمكن لهجر دور التلقي السلبي الذي تم التطبيع معه ردحا من الزمن، وكذا القطع مع السلطوية المعرفية المدعاة والمتوهمة في كثير من الأحيان.
نود في هذا المقال التنبيه– ولو باختصار- على بعض الأساليب البيداغوجية التي أكدت الممارسة الصفية نجاعتها إلى حد كبير في اتجاه تعزيز الحس النقدي لدى المتعلمين والمتعلمات.
أولا. اعتماد أسلوب التصحيح الأفقي للأخطاء:
انطلاقا من النظرة الإيجابية للخطأ الصادر عن المتعلم، فإن هذا الأخير سواء كان راجعا إلى المكتسبات السابقة أم إلى التمثلات الأولية، إنما هو ( شاهد على العمليات الفعلية العاملة، وهو يؤشر على ما يواجه تفكير المتعلم خلال اشتغاله في استيعاب المفاهيم خلال حل المسألة) .
من هنا، فإن من المؤشرات الواقعية الدالة على نجاعة الفعل التعليمي التعلمي، وعلى التمكن من مهارات الإدارة الصفية، محاولة تعزيز ما يمكن تسميته" أسلوب التصحيح الأفقي للأخطاء". والمقصود بهذا الأسلوب هو محاولة القطع مع نمط التصحيح العمودي الصادر دائما عن المدرس(ة) اتجاه المتعلم، والاستعاضة عن ذلك بإثارة انتباه المتعلمين(الزملاء)إلى الخطأ الذي ارتكبه زميلهم ومطالبتهم بتصحيحه بأسلوب تربوي هادف يراعي المشاعر الإنسانية والأبعاد التربوية الفعالة.
يبقى من نافلة القول أن هذا الأسلوب، إضافة إلى كونه يقحم جل المتعلمين والمتعلمات في التفاعل مع الدرس، يعزز لديهم النظرة الناقدة لكل ما يسمعونه داخل الفصل، مما يعين على محاربة نموذج " المتعلم المدجن". علاوة على ذلك فإن هذا الأسلوب إذا تم تعويد المتعلمين عليه، سيحقق نتيجتين تربويتين إيجابيتين على الأقل؛ انتباه المتعلمين إلى كلامهم لما يخشون من استدراك زملائهم عليه، واستقطاب انتباه المتعلمين للإنصات لزميلهم بشرط عدم المقاطعة.
تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأساليب تفسح المجال أيضا للمتعلمين قصد المناقشة الجادة والحوار التربوي البناء، بعيدا عن الحوار الذي يكون المدرس بطله دائما. مع التذكير بأن مختلف الأدبيات البيداغوجية الحديثة تنادي بضرورة فسح المجال أمام المتعلم(ة) قصد تطوير أفكاره الشخصية، ونقد الآراء الأخرى التي لا يتفق معها في جو من الأدب والتفاعل البناء.
ثانيا. إثارة الانتباه إلى الأخطاء الواردة في الكتاب المدرسي.
نظرا لأن الكتاب المدرسي لا يعدو كونه مجرد وسيلة بيداغوجية تساعد المدرس على التخطيط للدروس وتنفيذها وتقويمها، وانطلاقا من أن أي إنتاج بشري قد لا يسلم من الخطإ الموجب للاستدراك، يبقى من الأساليب التي تنمي لدى المتعلمين والمتعلمات الحس النقدي الإيجابي البناء، وتحارب فيه ذلك الاستهلاك السلبي النمطي، حرصُ المدرس(ة) على إثارة الانتباه إلى بعض الأخطاء التي قد ترد في الكتاب المدرسي(كتاب المتعلم)، سواء تعلق الأمر بأخطاء الطبع أو حتى بالأخطاء المعرفية.
إن التنبيه على مثل تلك الأخطاء لا ينبغي أن يفهم منه نشر الغسيل ولا تسفيه مجهودات لجان التأليف، ولا تحريض المتعلمات والمتعلمين على عدم تقدير المؤلفين، إنما ذلك سبيل تربوي جاد نحو التفاعل مع الخطابات الإصلاحية التي تنادي بالتعلم الفعال والإيجابي، وكذا القطع مع التعليم البنكي على حد تعبير البرازيلي باولو فريري.
ثالثا. أسلوب التمويه المعرفي الهادف.
لا شك أن التعليم بالمحاكاة أو ما يمكن تسميته "التعليم الصامت"، من أيسر أساليب التعليم في الحياة المدرسية والعامة. ومن هنا لا بد أن يأخذ المربون من آباء ومدرسين وغيرهم بعين الاعتبار كونَهم في أمس الحاجة إلى تعديل سلوكاتهم حتى يمثلوا النموذج والقدوة.
وما دام الحديث هنا عن تأثر المتعلم بالمدرس(ة) لدرجة أنه قد يقلده(ا) في كل شيء حتى في بعض حركاته العفوية، فإنه بإمكان المدرس(ة)/المربي(ة) الاجتهاد في تغيير هذه النظرة المثالية والنمطية التي يستبطنها المتعلم إزاءه(ا)؛ ومن الأساليب التي أثبتت الممارسة نجاعتها في زعزعة هذه النظرة سعيا إلى تخريج المتعلم الناقد، اللجوء إلى ما يمكن تسميته "التمويه المعرفي الهادف". نقصد بهذا الأسلوب بأن المدرس(ة) بإمكانه – في بعض الأحيان وليس دائما- أن يعرض بعض الأفكار التي تتناقض مع القواعد التي اكتسبها المتعلمون ودرسوها، وذلك لأجل اختبار مدى تمكنهم من الكفاية المدروسة وقدرتهم على استدعاء ما درسوه وتوظيفه في تصحيح الأخطاء المعروضة عليهم حتى ولو كانت صادرة من المدرس(ة) نفسه(ا). والهدف التربوي من ذلك هو زعزعة قناعة المتعلمين بأن المدرس مالك للمعرفة وأنه لا يخطئ وأنه ... و جدير بالذكر أنه من المستحسن مراعاة الضابط التالي:
    كلما أراد المدرس تطبيق هذا الأسلوب، يستحسن أن يخبر المتعلمين بأنه _مثلا_ سيذكر جملة تحوي خطأ ما، وأن عليهم اكتشافَ الخطأ وتصحيحَه، وذلك حتى لا يظنوا بأن الخطأ الذي صدر عن مدرسهم كان عن جهل منه، فتتزعزع ثقتهم في كفاءته وينقلب السحر على الساحر.
رابعا. اقتراح أنشطة تقويمية لتصحيح الأخطاء.
من المعروف لدى كل المتتبعين لنماذج الامتحانات الموحدة المحلية والإقليمية الموجهة –مثلا- لتلامذة المستوى السادس ابتدائي منذ سنوات طويلة، خصوصا في وحدتي اللغة العربية(مكون الإملاء) أو وحدة اللغة الفرنسية( مكون Orthographe)، أن الأسئلة النمطية المطروحة غالبا أو دائما هي من قبيل: أكتب الهمزة المناسبة مكان النقط.؟ أو : أتمم بكتابة التاء المناسبة مكان النقط.
إن مثل هذه الأسئلة النمطية- مع أهميتها- لن تُكوِّن متعلما ناقدا، حيث إن بعض المتعلمين يعتمدون على عامل الصدفة؛ إذ نجد بعضهم قد حصل النقطة كاملة مع أن مستواه قد لا يسمح له بذلك. ثم إنه لا يستطيع تبرير جوابه مطلقا. لذا فإذا أردنا تكوين وتخريج المتعلم الناقد والقادر على تبرير تصرفاته، فلعله من المستحسن الاستعاضة عن مثل تلك الأسئلة بأخرى تكون الإجابة عنها مؤشرا حقيقيا على تمكن المتعلم(ة) من الكفاية المبتغاة. و مما يمكن اقتراحه بهذا الصدد؛ أن تُقتَرحَ على المتعلمين كلماتٌ تحوي أخطاء( مثل: مِأذَنَةٌ- مُأَذِّنٌ- مُلِأَ...)، ثم يطلب من المتعلمين والمتعلمات تحديد الخطأ و تصحيحه وتبريره أيضا.
إن مثل هذه الأنشطة – في تقديري- ستؤكد لنا فعلا بأن المتعلم(ة) قد تمكن من الكفاية. إضافة إلى أنها تربي المتعلم على القطع مستقبلا مع السلبية سواء في قراءاته المدرسية أم في مطالعاته الحرة.
خاتمة:  تلك إذا بعض الأساليب البيداغوجية التي نزعم- من خلال الممارسة الصفية- أنها ستسهم لو تم تطبيقها بضوابطها في إعداد نموذج المتعلم الإيجابي والفعال في حياته الاجتماعية والثقافية خصوصا. فنحن في أمس الحاجة بعد هذا الانفتاح الثقافي والتكنولوجي المهول إلى تمتيع المتعلمين والمتعلمات بالحصانة والمناعة الثقافية التي تحول دون الاستلاب والذوبان السريع في بوثقة مختلف الثقافات والنظريات ، وإلا سيكون تعليمنا أكاديمية لتخريج العاطلين ثقافيا بعد جحافل العاطلين عن العمل.

------------------
. كلمة وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السيد رشيد بلمختار بتاريخ  7/02/2015 بالدار البيضاء حول المشروع الجديد لإصلاح التعليم .تحت عنوان" من أجل مدرسة مغربية لمواطني الغد"
  . هاشم عواضة.تطوير أداء المعلم. دار العلم للملايين . لبنان. الطبعة الأولى. يوليوز2008.ص243.
  . انظر "تشجيع المتعلمين على النقاش" لباربارا دافيس. ترجمة جمال الحنصالي. مجلة علوم التربية. العدد55.ص152
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات