سنهجي : لا يمكن للمجلس الأعلى للتربية والتكوين أن يحل، ولوحده، إشكالية التربية والتكوين

 1 تعددت الاصلاحات التي تستهدف منظومة التربية والتكوين، إلا أنه وخلال البدء في إصلاح جديد تكون البداية من الصفر وفي كل مرة وكأننا نتلمس نقط الانطلاق لشيء غير موجود ، كباحث تربوي ومتابع دائم للشأن التربوي ، كيف تفسرون هذه المفارقة؟

مع كامل الأسف، وبالرغم من ممارسة تمرين الإصلاح التربوي لمرات متتالية في هذه السنوات الأخيرة، فإنه لم يتم الانتباه للدروس والعبر المطلوب اعتمادها في مواجهة أسئلة الإصلاح بالصرامة والجدية المطلوبتين، مما يؤدي إلى مزيد من هدر الفرص ومراكمة الفشل واجترار الخيبات. وفي هذا السياق، يمكن أن نميز بين مرحلتين أساسيتين، مرحلة ما قبل 2000 والمرحلة التي تلتها. ففي المرحلة الأولى، لم يتم التعامل مع منظومة التربية والتكوين كورش يحظى بالأولوية بكونه استراتيجيا وتنمويا يساهم في إنماء وتطوير الرأسمال البشري، وإنما تم التعامل معه بمنطق تكتيكي توظيفي لضمان استمرار السلطة والنفوذ للقوى المتحكمة آنذاك ضمن سياقات موسومة بالتجاذبات والصراعات ، وخاضعة لاعتبارات سياسية واجتماعية كثيرا ما كانت تتباين بتباين الأجواء والمناخات والشروط التاريخية التي أعقبت الاستقلال. وهكذا اعتبرت الأزمة حينئذ مجرد اختلال وظيفي ومذهبي، يتطلب فقط الانتقال بمبادئ مذهبية التعليم (التعميم، المغربة، التوحيد، التعريب)من مستوى الشعارات العامة إلى مستوى التجسيد والتكريس ضمن السياسات التربوية، مع إدخال بعض التعديلات والإصلاحات التقنية البسيطة، وهو تعامل لم يستحضر تشابك وتعقد العوامل وثقل الإكراهات الموضوعية والذاتية آنذاك. ومع صدور "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، ساد تفاؤل كبير وسط جل الفاعلين التربويين والسياسيين والشركاء الاجتماعيين بإمكانية انطلاق مرحلة جديدة في التعاطي مع الشأن التربوي، حيث اعتبر هذا الميثاق في حينه مشروعا تغييريا في السياق السوسيواقتصادي والسياسي والإداري الذي جاء فيه، ومرجعية موجهة ومؤطرة لإصلاح النظام التربوي على امتداد عشر سنوات...

2 لكن كانت النتائج عكس المبتغى والأهداف المسطرة، فما هو الحل في نظركم ؟

بالفعل، فبعد نهاية تلك العشرية المخصصة للتربية والتكوين اتضح أن ما ورد في الميثاق كان طموحا أكثر من الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة في الواقع التربوي والاجتماعي، مما دفع السلطة الوصية على التعليم إلى الانكباب على صياغة خريطة طريق أخرى لاستكمال الإصلاح التربوي من خلال تنفيذ مقتضيات البرنامج الاستعجالي في أفق تدارك التعثر الذي عرفه تطبيق الميثاق عبر تسريع وتيرة الإصلاح التربوي، وذلك من خلال الاستجابة لتوصيات تقرير المجلس الأعلى للتعليم، وترجمة هذه التوصيات على أرض الواقع إلى أربع مجالات للتدخل اعتبرت حينئذ حاسمة في إصلاح الشأن التربوي وفرصة مهمة لتجاوز الاختلالات المتنوعة عبر توفير حزمة من التدابير والإجراءات العملية لإصلاح وتطوير منظومة التربية والتكوين. وبالرغم من الموارد المالية المهمة ومجهودات التعبئة المبذولة والمتواصلة خلال مرحلة البرنامج الاستعجالي، لم يتم تحقيق الأهداف المنتظرة من هذا الإصلاح، وظلت الحصيلة في هذا الباب دون تطلعات وانتظارات المجتمع المغربي، وذلك لعدة أسباب منها ما هو ذاتي يتعلق بالعنصر البشري في موقع التدبير والتأطير والتنفيذ، ومنها ما هو موضوعي يتعلق بمنظومة الحكامة ونجاعة الهيكلة الوظيفية المعتمدة في تنفيذ مقتضيات الإصلاح. وما يمكن أن نسجله في هذه المرحلة الثانية، والتشديد عليه، هو تلاقي الإرادات ووجود شبه إجماع بين مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع على ضرورة إعطاء الأولية للشأن التربوي بعد القضية الوطنية، وذلك عبر تخليص ورش التربية والتكوين من الترهل والتسيب والتأزيم المتواصل الذي يتعرض له، مما يقتضي الإسراع في انتقاء القرارات المهمة ذات الأولوية وتوفير مستلزمات وشروط تنفيذ هذه القرارات ضمن وسط تربوي تعقدت إشكالاته واختلالاته وأصبح العنصر البشري الفاعل فيه رقما حاسما في معادلة إنجاح أو إخفاق كل إصلاح. وعليه، وضمن هذا الأفق، تبدو المقاربة والمنهجية المعتمدة في الإصلاح بحاجة للمراجعة الجذرية بكل ما يتطلبه الأمر من تعاقدات وتدقيق للمهام وتوزيع للمسؤوليات على مختلف المستويات...


  3 الآن ندخل مرحلة جديدة في ظل متغيرات كثيرة أهمها الدستور الجديد و المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، هل تعتقدون أن هذا سيحل المشكلة ويضع قطار التعليم على سكته الصحيحة؟ وهل تشكيلته الحالية ، التي خلفت ردود أفعال متباينة، تساعده على النجاح في مهامه؟

إذا كان، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يسعى بحكم وظيفته الاستشارية أن يكون إطارا للتفكير الاستراتيجي في قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي وفضاء لاحتضان النقاش العمومي حول الشأن التربوي وتنوير ذوي القرار والفاعلين والرأي العام، بواسطة التقييمات الكمية والنوعية، المنتظمة والدقيقة لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي ينجزها، فإنه يتضح أن عمل المجلس ينخرط في المستوى الفلسفي الاستراتيجي الذي تحدثنا عنه سابقا، و هذا ما يجعل هذا المجلس مطالبا بالنظر في منظور ومضمون الإصلاح كما عبر عن ذلك جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لهذه السنة. إذن، لا يمكن لمجلس بهذه الصلاحيات المحددة دستوريا أن يحل، ولوحده، إشكالية التربية والتكوين، وكل ما يمكن أن ينجزه في هذا الصدد هو بلورة خريطة طريق للإصلاح تنخرط في المدى المتوسط والبعيد، انطلاقا من الدراسات والاستشارات والتقويمات المنجزة من طرفه. ويبقى دور الجهاز التدبيري المتمثل في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حاسما في تنزيل وأجراة مقتضيات الإصلاح ميدانيا. وهكذا، سنجنب المنظومة التنافس المؤسساتي السلبي وسنعمق جوانب التكامل والتعاون بين المجلس والوزارة لإخراج المنظومة من أزمتها المستفحلة. بالطبع المجلس وفق تشكيلته الحالية يثير الكثير من التساؤلات لدى الرأي العام التربوي، بحيث كان الأمل معقودا على انتقاء الخبراء وفق معايير الخبرة الفعلية والتراكم والإنتاج الفكري والتربوي والتدرج في تقلد المسؤوليات التربوية، والحرص على احترام مقتضيات المنهجية التمثيلية للأطر التربوية والإدارية، وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، والمدرسين والطلبة والتلاميذ...، عوض اعتماد منطق التعيين وفق معايير غير معلنة، مما أعطى الانطباع بأن المسؤولين عن تدبير هذه العملية غير مدركين كفاية لحساسية المرحلة المؤطرة بمقتضيات دستور2011 ولطبيعة التحديات والمخاطر التي تحف بالمنظومة. واعتقد أن المجلس بإمكانه تجاوز حدود ومحدودية التشكيلة الحالية من خلال الانفتاح على الكفاءات والخبرات الوطنية وتكريس المقاربة التشاركية في التعاطي مع قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي.

4 ماهي قراءتكم لما أسفرت عنه المشاورات الأخيرة حول المدرسة المغربية؟

من زاوية منهجية وعملية بحثة، يمكن الإشارة إلى أن الوزارة بهذه الاستشارة الموسعة، والتي شملت مختلف الفاعلين التربويين والاجتماعيين والجمعويين والسياسيين على مختلف المستويات... تكون قد تجاوزت ما اعترى البرنامج الاستعجالي من ضعف في الإشراك نتج عنه ضعف في الانخراط والالتزام. حيث غطت هذه الاستشارة بشكل شبه شامل مختلف المجالات والمحاور والعناصر المكونة لمنظومة التربية والتكوين باستثناء بعض القضايا التي تهم البحث العلمي وآليات صناعة واتخاذ القرار وتحديد المسؤوليات التقصيرية... وما يمكن تسجيله حول هذه الاستشارة هو طغيان الهاجس الكمي على حساب المنطق النوعي الذي ينفذ للاختلالات العميقة التي تعاني منها المنظومة، مما أفضى إلى تقديم كم معلوماتي ضخم حول حالة المنظومة كما يتمثلها ويفهمها مختلف الفاعلون والشركاء، وهي جوانب وقفنا عليها بشكل أو بآخر في التشخيص الذي انطلق منه البرنامج الاستعجالي، مما يحتم ضرورة مقارنة نتائج هذه الاستشارة بتشخيص البرنامج الاستعجالي لاستخلاص ما يلزم من دروس وعبر. تمة ملاحظة أخرى، تتعلق بطغيان المقاربة الخطية الرصدية على حساب المقاربة التحليلية النسقية، مما غيب الربط بين المجالات والمحاور وأخفى التوجهات العامة والتقاطعات ضمن آراء المساهمين في هذه الاستشارة، ووضع القارئ  المهتم أمام مجموع من الأفكار المختلفة والمتضاربة أحيانا، لم يستطع من خلالها الوصول إلى تفسير النتائج المحصل عليها،  وفرز الأولويات وتحديد القرارات الواجب اتخاذها سواء على المدى القريب أو المدى المتوسط أو البعيد...وكان بالإمكان تدارك ذلك عبر ضبط التأطير المنهجي لهذه الاستشارة، والتطرق  لحدود  هذه الاستشارة  والاكراهات التي اعترتها والاقتراحات والتدابير العملية التي يتوجب اتخاذها مستقبلا في مواضيع من هذا القبيل. وأعتقد ان المجال ما زال مفتوحا لجعل هذه الاستشارة متوازنة ومعترفة بالمجهودات والمكتسبات التي وجب الإشارة إليها قصد ترصيدها وتعزيزها  في كل إصلاح مرتقب.

جريدة العلم - أجرى الحوار، الصحفي المحجوب الدريوش، العدد 23060، التاريخ، 12 نونبر 2014.
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات