منذ إصدار أول دستور بالمملكة المغربية بعد استقلالها، بقي قانون واحد لم تتجرأ حكومة واحدة على المضي في استصداره، وهو قانون تنظيم ممارسة الإضراب.
والمعلوم أن إخراج قانون للإضراب سيقطع نهائيا مع كل المزايدات السياسية حوله، والتي وصلت أوجها خلال الإضرابين الأخيرين اللذين تم تنظيمهما في فترة بينية لم تتجاوز الثلاثة أشهر الأخيرة. حجرة التفرقة تبقى هي ذلك الفصل الخطير في القانون الجنائي، وهو الفصل 288 الذي يجيز اعتقال كل مضرب «ساهم في عرقلة مرافق العمل والتأثير على سيرها»، وهو ما تعتبره النقابات المادة الجنائية الخطيرة التي تجهز على حقها في الإضراب، والتي لا تفاوض حول استصدار أي قانون مادام المشرع لم يحذف هذه المادة السالبة لحرية المضربين عن العمل، والتي تتناقض مع كل المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب في اتجاه تكريس الحقوق الأساسية للأجراء، من بينها حق العمل وحق الإضراب عنه.
الجميع يتفق على أن الإضراب حق دستوري، لكنه حق غير مؤطر قانونيا بعد. وفي غياب قانون تنظيمي له تتواتر التأويلات وتتأرجح ما بين تلك التي تعطيه منسوبه الحقوقي وتؤصله كحق من حقوق الأجراء، وتلك التأويلات التي تقيس فقط منسوبه السياسي وتعتبره آلية من آليات لي ذراع الحكومة وإجبارها على تنازلات حقوقية بغلاف سياسي بارز.
ولنقلها صراحة وبكل بساطة، آخر إضراب عرفه المغرب هو إضراب حقوقي مطلبي بمنسوب سياسي مرتفع، ولا عيب في أن تكون للإضرابات توجهات سياسية، فكلنا نعلم أن نقابات في بعض الدول قلبت أنظمة سياسية بعينها.
تونس مثال عربي صارخ لعبت فيه نقابة عمالية مركزية قوية لعبة إطلاق رصاصة الرحمة على نظام بنعلي ومن معه. الثورة البولشيفية التي أخرجت نظاما سياسيا جديدا ليس في روسيا الفيدرالية وإنما للعالم، هي ثورة ساهمت فيها نقابات عمالية، ومن يقرأ «جيرمينال» لإيميل زولا وما حدث في فرنسا إبان الجمهورية الثانية، سيقف عند أدوار النقابات العمالية بمناجم الشمال ودورها الخطير في قلب النظام الفرنسي الأرستقراطي الحاكم برمته.
وبالتالي فاتهام الإضراب بكونه سياسيا هو اتهام باطل من الناحية السياسية.
السيد بنكيران، والخلفي وباها والشوباني والحقاوي وزمرة الإسلاميين في الحكومة، يخطئون أو بالأحرى يوهمون المغاربة بأن الإضراب فشل لأنه خرج من رحم المعارضة السياسية.
وحتى الوزير الميني شيوعي نبيل بنعبد الله كان واهما عندما وعد بالتدخل لكبح الإضراب، ليس لشيء سوى لأن له ضمانات سياسية مع موخاريق وشلة بقايا الشيوعيين بالاتحاد المغربي للشغل.
الإضراب حتى ولو تحمل ملفا مطلبيا للشغيلة يرتبط بالأجور ومناخ العمل، فإنه يبقى حركة سياسية في أصلها والمهم في هذه «الحركة» أنها «تكتونية» تتحرك في الأعلى وتترك ترددات في الأسفل لتعلن عن كرة الثلج المتحركة للهدم من أجل إعادة البناء.
هذا التقديم النظري كان ضروريا، لكن الأهم منه هو الأرقام والمؤشرات الواقعية التي تنذر بأن الحركات العمالية المستقبلية ستكون أشد وقعا على بنكيران وحكومته.
في برنامج «مباشرة معكم» الذي أعدته القناة الثانية في ليلة الإضراب، تم «تخدير» المغاربة بترهات كثيرة مست مصداقية الحكومة كمحاور جاد للمضربين.
فالوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة حمل خبرا كاذبا ظنه سارا للمغاربة، هو أن المغرب حسن من قيمة مناخ أعماله ومؤشرات الاستثمار فيه، علما أن تقرير البنك الدولي يقول العكس، إضافة إلى أن الباطرونا المغربية لا تترك فرصة لتلوح برايات الإنذار التي تدق طبول التصدع الكبير بين ما تستلزمه الأعمال من أجواء وما يكتنزه الإسلاميون من إجراءات احترازية انتقامية انتقائية في تدبير الاقتصاد والاستثمار.
وزير جاء ليتحدث عن إضراب الوظيفة العمومية ونحن نعلم أن الإضراب الأشد فتكا باقتصاد البلاد وأمنه الاقتصادي والاجتماعي، هو ذلك الذي يقوم به الأجراء في القطاع الخاص. لم يتكلم لا الوزير ولا مرافقه ولا ممثلا النقابات عن واقع الإضراب بالقطاع الخاص، وكيف أن المغرب عرف شللا اقتصاديا في يوم 29 أكتوبر.
وحسب لغة أرقام مندوبيات وزارة التشغيل، فمن بين 206780 أجيرا بالمغرب أضرب 77777 أجيرا، والرقم لن يكون له دلالات طبعا إذا لم نضف إليه قراءة نسب الإضراب في الجهات.
فإذا بدا للسيد بنكيران أن الرباط لم تضرب بالشكل الكافي، فإن مناطق قريبة من مسكنه ومقر حزبه وصل فيها الإضراب إلى نسب وصلت إلى 90 في المائة، كمدينة سلا التي انتخب فيها بنكيران في حي تابريكت، عندما سحب البصري مقعد الاتحادي جمال أغماني في 1992 ومنحه له، ومدن أخرى كالعرائش والصويرة وآسفي التي وقفت اقتصاديا يوم 29 ثم أوقفتها كارثة الحريق يوم 30.
المعطيات الرقمية التي أصدرتها وزارة التشغيل وغفل السيد الخلفي عمدا عن ذكرها بدهاء شديد عندما قال في أول البرنامج إن الأرقام لا تعني للحكومة شيئا، لأن النقابات تكيفها سياسيا، ناسيا أن الأرقام «الرسمية» التي تصدرها وزارة التشغيل تحمل في طياتها هول الإضراب ونجاحه كميا على الأقل.
إن هذه الأرقام تزيد من واقع وقوف بنيات الإنتاج يوم 29 أكتوبر، حيث وصلت نسبة الإضراب بالمحمدية حيث المعامل الطاقية إلى 60 في المائة، وفي برشيد حيث المجمعات الصناعية الكبيرة وصلت النسبة إلى 92 بالمائة، ووصلت بسطات إلى أكثر من 83 في المائة، وفي القنيطرة حيث يحكم ولد العواوشة وصلت النسبة إلى 74 في المائة، أما طنجة فقد وقف الميناء المتوسطي وبلغت نسبة إضراب العمال بالمدينة إلى 73 في المائة.
وحتى القطاع السياحي المعروف بمحدودية الإضراب فيه بالنظر للتضييق الكبير على الانتماء النقابي وممارسة العمل النقابي، فقد حطمت ورزازات رقما قياسيا من حيث نسبة المشاركة في الإضراب، بحيث وصلت النسبة لأكثر من 94 في المائة.
سيقول بنكيران والخلفي إنها مناطق نائية الإضراب فيها لا يشل حركة الاقتصاد الوطني، وما عليهما سوى أن يراجعا أرقام الدار البيضاء الرسمية وليس أرقام النقابات: عين السبع 22 في المائة، درب السلطان 75 في المائة، سيدي عثمان 68 في المائة، دون أن نتحدث عن وقوف «مارشي كريو» عن العمل طيلة نصف اليوم الأول.
بقي أن نطرح سؤالا مشروعا، وهو من أين تحسب وزارة التشغيل هذه الأرقام حول الإضرابات الوطنية؟
إن من وظائف مناديب الشغل ومفتشي الشغل الخروج أيام الإضرابات للقيام بجولات تفقدية في الوحدات الإنتاجية، قصد القيام بإحصائيات تهم المضربين وتهم منازعات الشغل الأخرى، وهي المندوبيات التي تتواجد تحت إمرة السادة عمال المدن والأقاليم وليس تحت إمرة وزير التشغيل طبعا.
لكن المثير للدهشة هو أن المغرب بطوله وعرضه لا يتوفر سوى على 445 مفتشا للشغل. فكيف إذن ستحسب وزارة التشغيل خلال 24 ساعة عدد المضربين بالقطاع الخاص بالمغرب؟
وكيف سيتنقل مفتش الشغل بين 18000 مقاولة في نصف يوم؟
إذا كانت أرقام وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية التي نتوفر عليها حول الإضراب، لها من دلالة فهي أن الحكومة ليست لديها القدرة بتاتا على حساب نسبة الإضراب الحقيقي بالقطاع الخاص، وبالتالي ليس لها الحق بتاتا في أن تحكم بنجاحه أو فشله.
ثانيا، إذا كان لهذا الإضراب من مزية، فهي أنه كشف عن نقص مريع في عدد مفتشي الشغل، بحيث تسخر الدولة لكل 18000 مقاولة مفتش شغل واحد.
ولهذا السبب تأكل العديد من المقاولات حقوق العمال وتمتنع عن تسجيلهم في صندوق الضمان الاجتماعي وتشغل أغلبهم في السوق السوداء، بحيث يسهل عليها طردهم في ما بعد وهضم حقوقهم.
لذلك فالدرس الذي يجب أن يستخلصه رئيس الحكومة من هذا الإضراب، هو ضرورة إعطاء الأولوية في مشروع القانون المالي المقبل لتوظيف المئات من مفتشي الشغل ومفتشي المالية، فالحل الوحيد لإنقاذ صناديق التقاعد هو تعميم التغطية الاجتماعية وإجبار أصحاب المقاولات على تسجيل مستخدميهم في صندوق الضمان الاجتماعي.
وبدون تفتيش صارم ويومي لمقرات العمل لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف، وبـ445 مفتش شغل لا يمكن بتاتا مراقبة آلاف المقاولات على امتداد التراب الوطني.
ولو أن بنكيران راقب صنبورين يمتدان إلى صندوقين مهمين هما انخراطات الضمان الاجتماعي وعائدات الضرائب التي يجنيها مفتشو المالية لاستغنى عن قروض البنوك الأجنبية.
فهناك مليارات الدراهم التي تنتظر مفتشين للضرائب لجنيها من الشركات والمقاولات، وهناك مليارات الدراهم تنتظر مفتشي الشغل لإدخالها إلى الخزينة. وعوض أن يخصص رئيس الحكومة مناصب مالية لهذه الوظائف الحيوية والضرورية للصحة المالية للدولة، يفضل أن يصرف الميزانيات في تعويضات موظفي دواوين وزراء حزبه، الذين تقاضوا مغادرتهم الطوعية وعادوا من النافذة للوظيفة العمومية.
والمعلوم أن إخراج قانون للإضراب سيقطع نهائيا مع كل المزايدات السياسية حوله، والتي وصلت أوجها خلال الإضرابين الأخيرين اللذين تم تنظيمهما في فترة بينية لم تتجاوز الثلاثة أشهر الأخيرة. حجرة التفرقة تبقى هي ذلك الفصل الخطير في القانون الجنائي، وهو الفصل 288 الذي يجيز اعتقال كل مضرب «ساهم في عرقلة مرافق العمل والتأثير على سيرها»، وهو ما تعتبره النقابات المادة الجنائية الخطيرة التي تجهز على حقها في الإضراب، والتي لا تفاوض حول استصدار أي قانون مادام المشرع لم يحذف هذه المادة السالبة لحرية المضربين عن العمل، والتي تتناقض مع كل المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب في اتجاه تكريس الحقوق الأساسية للأجراء، من بينها حق العمل وحق الإضراب عنه.
الجميع يتفق على أن الإضراب حق دستوري، لكنه حق غير مؤطر قانونيا بعد. وفي غياب قانون تنظيمي له تتواتر التأويلات وتتأرجح ما بين تلك التي تعطيه منسوبه الحقوقي وتؤصله كحق من حقوق الأجراء، وتلك التأويلات التي تقيس فقط منسوبه السياسي وتعتبره آلية من آليات لي ذراع الحكومة وإجبارها على تنازلات حقوقية بغلاف سياسي بارز.
ولنقلها صراحة وبكل بساطة، آخر إضراب عرفه المغرب هو إضراب حقوقي مطلبي بمنسوب سياسي مرتفع، ولا عيب في أن تكون للإضرابات توجهات سياسية، فكلنا نعلم أن نقابات في بعض الدول قلبت أنظمة سياسية بعينها.
تونس مثال عربي صارخ لعبت فيه نقابة عمالية مركزية قوية لعبة إطلاق رصاصة الرحمة على نظام بنعلي ومن معه. الثورة البولشيفية التي أخرجت نظاما سياسيا جديدا ليس في روسيا الفيدرالية وإنما للعالم، هي ثورة ساهمت فيها نقابات عمالية، ومن يقرأ «جيرمينال» لإيميل زولا وما حدث في فرنسا إبان الجمهورية الثانية، سيقف عند أدوار النقابات العمالية بمناجم الشمال ودورها الخطير في قلب النظام الفرنسي الأرستقراطي الحاكم برمته.
وبالتالي فاتهام الإضراب بكونه سياسيا هو اتهام باطل من الناحية السياسية.
السيد بنكيران، والخلفي وباها والشوباني والحقاوي وزمرة الإسلاميين في الحكومة، يخطئون أو بالأحرى يوهمون المغاربة بأن الإضراب فشل لأنه خرج من رحم المعارضة السياسية.
وحتى الوزير الميني شيوعي نبيل بنعبد الله كان واهما عندما وعد بالتدخل لكبح الإضراب، ليس لشيء سوى لأن له ضمانات سياسية مع موخاريق وشلة بقايا الشيوعيين بالاتحاد المغربي للشغل.
الإضراب حتى ولو تحمل ملفا مطلبيا للشغيلة يرتبط بالأجور ومناخ العمل، فإنه يبقى حركة سياسية في أصلها والمهم في هذه «الحركة» أنها «تكتونية» تتحرك في الأعلى وتترك ترددات في الأسفل لتعلن عن كرة الثلج المتحركة للهدم من أجل إعادة البناء.
هذا التقديم النظري كان ضروريا، لكن الأهم منه هو الأرقام والمؤشرات الواقعية التي تنذر بأن الحركات العمالية المستقبلية ستكون أشد وقعا على بنكيران وحكومته.
في برنامج «مباشرة معكم» الذي أعدته القناة الثانية في ليلة الإضراب، تم «تخدير» المغاربة بترهات كثيرة مست مصداقية الحكومة كمحاور جاد للمضربين.
فالوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة حمل خبرا كاذبا ظنه سارا للمغاربة، هو أن المغرب حسن من قيمة مناخ أعماله ومؤشرات الاستثمار فيه، علما أن تقرير البنك الدولي يقول العكس، إضافة إلى أن الباطرونا المغربية لا تترك فرصة لتلوح برايات الإنذار التي تدق طبول التصدع الكبير بين ما تستلزمه الأعمال من أجواء وما يكتنزه الإسلاميون من إجراءات احترازية انتقامية انتقائية في تدبير الاقتصاد والاستثمار.
وزير جاء ليتحدث عن إضراب الوظيفة العمومية ونحن نعلم أن الإضراب الأشد فتكا باقتصاد البلاد وأمنه الاقتصادي والاجتماعي، هو ذلك الذي يقوم به الأجراء في القطاع الخاص. لم يتكلم لا الوزير ولا مرافقه ولا ممثلا النقابات عن واقع الإضراب بالقطاع الخاص، وكيف أن المغرب عرف شللا اقتصاديا في يوم 29 أكتوبر.
وحسب لغة أرقام مندوبيات وزارة التشغيل، فمن بين 206780 أجيرا بالمغرب أضرب 77777 أجيرا، والرقم لن يكون له دلالات طبعا إذا لم نضف إليه قراءة نسب الإضراب في الجهات.
فإذا بدا للسيد بنكيران أن الرباط لم تضرب بالشكل الكافي، فإن مناطق قريبة من مسكنه ومقر حزبه وصل فيها الإضراب إلى نسب وصلت إلى 90 في المائة، كمدينة سلا التي انتخب فيها بنكيران في حي تابريكت، عندما سحب البصري مقعد الاتحادي جمال أغماني في 1992 ومنحه له، ومدن أخرى كالعرائش والصويرة وآسفي التي وقفت اقتصاديا يوم 29 ثم أوقفتها كارثة الحريق يوم 30.
المعطيات الرقمية التي أصدرتها وزارة التشغيل وغفل السيد الخلفي عمدا عن ذكرها بدهاء شديد عندما قال في أول البرنامج إن الأرقام لا تعني للحكومة شيئا، لأن النقابات تكيفها سياسيا، ناسيا أن الأرقام «الرسمية» التي تصدرها وزارة التشغيل تحمل في طياتها هول الإضراب ونجاحه كميا على الأقل.
إن هذه الأرقام تزيد من واقع وقوف بنيات الإنتاج يوم 29 أكتوبر، حيث وصلت نسبة الإضراب بالمحمدية حيث المعامل الطاقية إلى 60 في المائة، وفي برشيد حيث المجمعات الصناعية الكبيرة وصلت النسبة إلى 92 بالمائة، ووصلت بسطات إلى أكثر من 83 في المائة، وفي القنيطرة حيث يحكم ولد العواوشة وصلت النسبة إلى 74 في المائة، أما طنجة فقد وقف الميناء المتوسطي وبلغت نسبة إضراب العمال بالمدينة إلى 73 في المائة.
وحتى القطاع السياحي المعروف بمحدودية الإضراب فيه بالنظر للتضييق الكبير على الانتماء النقابي وممارسة العمل النقابي، فقد حطمت ورزازات رقما قياسيا من حيث نسبة المشاركة في الإضراب، بحيث وصلت النسبة لأكثر من 94 في المائة.
سيقول بنكيران والخلفي إنها مناطق نائية الإضراب فيها لا يشل حركة الاقتصاد الوطني، وما عليهما سوى أن يراجعا أرقام الدار البيضاء الرسمية وليس أرقام النقابات: عين السبع 22 في المائة، درب السلطان 75 في المائة، سيدي عثمان 68 في المائة، دون أن نتحدث عن وقوف «مارشي كريو» عن العمل طيلة نصف اليوم الأول.
بقي أن نطرح سؤالا مشروعا، وهو من أين تحسب وزارة التشغيل هذه الأرقام حول الإضرابات الوطنية؟
إن من وظائف مناديب الشغل ومفتشي الشغل الخروج أيام الإضرابات للقيام بجولات تفقدية في الوحدات الإنتاجية، قصد القيام بإحصائيات تهم المضربين وتهم منازعات الشغل الأخرى، وهي المندوبيات التي تتواجد تحت إمرة السادة عمال المدن والأقاليم وليس تحت إمرة وزير التشغيل طبعا.
لكن المثير للدهشة هو أن المغرب بطوله وعرضه لا يتوفر سوى على 445 مفتشا للشغل. فكيف إذن ستحسب وزارة التشغيل خلال 24 ساعة عدد المضربين بالقطاع الخاص بالمغرب؟
وكيف سيتنقل مفتش الشغل بين 18000 مقاولة في نصف يوم؟
إذا كانت أرقام وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية التي نتوفر عليها حول الإضراب، لها من دلالة فهي أن الحكومة ليست لديها القدرة بتاتا على حساب نسبة الإضراب الحقيقي بالقطاع الخاص، وبالتالي ليس لها الحق بتاتا في أن تحكم بنجاحه أو فشله.
ثانيا، إذا كان لهذا الإضراب من مزية، فهي أنه كشف عن نقص مريع في عدد مفتشي الشغل، بحيث تسخر الدولة لكل 18000 مقاولة مفتش شغل واحد.
ولهذا السبب تأكل العديد من المقاولات حقوق العمال وتمتنع عن تسجيلهم في صندوق الضمان الاجتماعي وتشغل أغلبهم في السوق السوداء، بحيث يسهل عليها طردهم في ما بعد وهضم حقوقهم.
لذلك فالدرس الذي يجب أن يستخلصه رئيس الحكومة من هذا الإضراب، هو ضرورة إعطاء الأولوية في مشروع القانون المالي المقبل لتوظيف المئات من مفتشي الشغل ومفتشي المالية، فالحل الوحيد لإنقاذ صناديق التقاعد هو تعميم التغطية الاجتماعية وإجبار أصحاب المقاولات على تسجيل مستخدميهم في صندوق الضمان الاجتماعي.
وبدون تفتيش صارم ويومي لمقرات العمل لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف، وبـ445 مفتش شغل لا يمكن بتاتا مراقبة آلاف المقاولات على امتداد التراب الوطني.
ولو أن بنكيران راقب صنبورين يمتدان إلى صندوقين مهمين هما انخراطات الضمان الاجتماعي وعائدات الضرائب التي يجنيها مفتشو المالية لاستغنى عن قروض البنوك الأجنبية.
فهناك مليارات الدراهم التي تنتظر مفتشين للضرائب لجنيها من الشركات والمقاولات، وهناك مليارات الدراهم تنتظر مفتشي الشغل لإدخالها إلى الخزينة. وعوض أن يخصص رئيس الحكومة مناصب مالية لهذه الوظائف الحيوية والضرورية للصحة المالية للدولة، يفضل أن يصرف الميزانيات في تعويضات موظفي دواوين وزراء حزبه، الذين تقاضوا مغادرتهم الطوعية وعادوا من النافذة للوظيفة العمومية.