تعرف البيداغوجيا التعاقدية بكونها اتجاها بيداغوجيا يقوم على مبدإ تعاقد المتعلمين ومدرسهم واتفاقهم على الالتزام بأداء مهام أو تحقيق مشاريع معينة، تسهم في تطوير الممارسة التربوية من جهة، وتوطيد العلاقة الوجدانية الانفعالية بين المدرس»ة» والمتعلمين، وبالتالي الابتعاد أكثر عن العنف والممارسات اللاتربوية..
يفيد العالم التربوي (Mialaret, G/1979) بأن التعاقد البيداغوجي هو ذاك الإجراء البيداغوجي المقتبس من ميدان التشريع والصناعة، يقوم في إطار العمل التربوي على اتفاق تعاقدي بين طرفين هما المدرس والتلميذ، وينبني هذا الاتفاق على مفاوضة بينهما حول متطلبات المتعلم وأهداف التعليم وواجبات كل طرف وحقوقه، وأهداف ومرامي عملية التعليم والتكوين.
يكتسي العقد الديداكتيكي/البيداغوجي أهمية قصوى في مجال العلاقات البين فردانية القائمة بين الفاعل التعليمي والمتعلمين خصوصا في مجال اكتساب التعلمات، وتحقيق الأهداف المخصصة للنشاط التعليمي التعلمي. وبالتالي، ينبغي للمدرس أن يتعاقد مع تلامذته، وذلك عن طريق تحديد المهام والأدوار والوظائف والأعمال التي يجب أن يقوم بها كل طرف في علاقته مع الجماعة. فلا بد من تحديد واجبات وحقوق كل من التلميذ والمدرس على حد سواء، ويجب أن يبنى هذا التعاقد الديدكتيكي/البيداغوجي على زواج حرية المتعلم من جهة وسلطة المدرس وقدرته على ضبط القسم من جهة ثانية؛ وكي يحقق المتعلم أولا حريته، يرى الباحث حمد الله اجبارة، أنه عليه أن يعبر عن رغباته ويترجمها على شكل أفعال، تسيرها حوافزه الذاتية التي تميزه عن باقي أقرانه كذات لها طموحها، وطريقة اشتغالها، وأهدافه.. أما ما يخص سلطة المدرس وقدرته على ضبط القسم، فيمكن هنا أن نميز بين سلطتين هما:
أ – سلطة شخص ( أستاذا كان أم مديرا أم مشرفا )، متمكن من تخصصه مطلع على تخصصات الآخرين، ضابط لآليات اشتغاله. وهذه سلطة مشروعة وغالبا ما يقبلها التلاميذ لأنها مبنية على سلطة معرفية وليس على القمع والاستبداد؛ مبنية على الاقتناع. إن هذا النوع من السلطة يسهل عملية التواصل بين أفراد المجموعة داخل القسم الدراسي.
ب – سلطة شخص غير متمكن من تخصصه، غير مطلع على التخصصات التي تفيده، غير ضابط لآليات اشتغاله، وهذه سلطة غير مشروعة لا يقبلها التلاميذ لأنها مبنية على القمع. وهذا النوع يعوق عملية التواصل بين الأستاذ والتلاميذ.
لقد حدد (Pelpel 1986 ) المراحل التي ينبني عليها العقد الديداكتيكي/البيداغوجي، وسنحلل كل مرحلة على حدة مبرزين الوظيفة البيداغوجية للمدرس عند كل محطة.
المحطة الأولى: الإخبار
يكون مشتركا بين المتعاقدين متعلقا بالبرامج والأهداف ومدد الإنجاز والمعطيات المادية... ومن تم، فالوظيفة البيداغوجية للمدرس تبقى أساسية وحاسمة خلال هذه المحطة، حيث من الجائز أن يخبر الجماعة الصفية، بشكل صريح، بالأهداف والكفايات التي ينوي تحقيقها من خلال الوضعيات الديداكتيكية التي يحضرها ويعدها، فضلا عن وضع الجماعة الصفية في الصورة واطلاعها على القانون الداخلي للمؤسسة ومحتوى البرامج الدراسية والمنهاج Curriculum أيضا، وفق مقاربة شمولية تتغيا إشراك المتعلم في العملية التعليمية التعلمية بكل أبعادها، بغية تجويد الممارسة التربوية وتهيئ المتعلم لاتخاذ القرارات السليمة واكتسابه روح النقد والتفاعل مع المادة الدراسية ليس على أساس معطى مادي فحسب بل كصورة من صور التطبيقات الاجتماعية ذات البعد المعنوي.
المحطة الثانية: الالتزام
أي مساهمة كل طرف (المدرس والمتعلم) في التوقيع على العقد والالتزام ببنوده خلال إنجازه. ونظام الإلزام هذا هو بمثابة عقد بين المدرس والمتعلم، ومعنى هذا أن عنصر المفاجأة أو التشويق أصبح أمرا غير مرغوب فيه حيثما يتم تحديد الأهداف وإشعار المتعلم بها والتعاقد عليها بين طرفي العملية. وهنا يدخل الطرفان معا في إستراتيجية محكمة تفرزها طبيعة المادة المعدة للتدريس، وتتقلص حرية المدرس هنا لتخضع لوتيرة التعلم بمعنى أن كل خروج عن هذه الوتيرة هو في حد ذاته نقض لهذا العقد.
إن الصيغة الضمنية للعقد الديداكتيكي/البيداغوجي تسود حيثما التزم الأطراف بالمسؤوليات المحددة، وحالما يشذ التعليم عن مجراه يبرز هذا العقد بصيغة صريحة ويلزم العودة إلى تعديل مسار هذا النظام.
من خلال هذه القراءة التحليلية للمحطة الثانية تتضح بجلاء أن وظيفة المدرس البيداغوجية تتبدى في إقناع الجماعة الصفية بشكل سلس وممنهج وصريح بعيدا عن التسلط والعنف ومحاولة السيطرة على المواقف التعليمية التعلمية، بالالتزام العفوي والايجابي بالتعاقدات التي يتفق عليها الطرفان، وبالتالي، ضمان الانخراط التلقائي في جو العمل المدرسي أثناء مرحلة التفعيل والإنجاز. هنا يجب ألا يغيب عن بالنا أهمية «الالتزام» في الرقي بالفكر التربوي عامة ونقاء المناخ الذي تدور فيه أحداث الممارسة التربوية بخاصة.
ونتيجة لهذا التعاقد الصريح بين المدرس من جهة والتلميذ المستهدف الأول من العملية التقويمية التربوية من جهة أخرى، يلتزم الطرفان بهذا النمط أثناء تقييم الوضعيات الديداكتكية وإنجازها، رغبة في تسهيل التواصل التربوي وتيسير سبل التعامل مع الانتاجات التعليمية التعلمية للمتعلمين خلال المرحلة الابتدائي الأولى.
المحطة الثالثة: الضبط
ويتعلق الأمر بتدبير سير العمل ومراجعته من طرف المتعاقدين. هنا ستتضح الوظيفة البيداغوجية للمدرس كطرف في العقد الديداكتيكي/البيداغوجي؛ حيث ينبغي تدبير سير الممارسة البيداغوجية بعد مفاوضة الطرف الآخر في العقد البيداغوجي وهو المتعلمين وصولا إلى اتفاق إيجابي، كيف ذلك؟
نأخذ كمثال النصوص القرائية التي تروجها المدرسة عبر منهاجها الدراسي والتي لها علاقة بالمقررات الدراسية؛ إذ يستوجب منطق التعاقد الديداكتيكي/البيداغوجي أن يتم اختيار النص القرائي الأنسب للجماعة الصفية والذي يحاكي الواقع المعيش للمتعلم (أخذا بعين الاعتبار الوضعيات الدالة) ويلامس المستوى السوسيوثقافي للجماعة الصفية.. فوظيفة المدرس، بيداغوجيا، تكمن في التفاوض الإيجابي مع المتعلمين قصد اختيار النص القرائي الأجود والأنسب في إطار مبادئ التربية على الاختيار، دون أن يغفل المدرس الالتزام الضمني والرسمي مع التيمات التي تروجها المجالات التربوية وفق نظام الوحدات الديداكتيكية المعلن عليها، وبعبارة أخرى، الاتفاق مع المتعلمين حول النص القرائي المختار من طرفهم مع ضمان توافق قيمه البيداغوجية مع الكفايات المسطرة رسميا.
وكنتيجة لهذا الإجراء البيداغوجي، يحقق المدرس الكفايات النصية Compétences textuelles المرجوة من خلال تقديم النص القرائي المتفق حوله بمعية المتعلمين، وبالتالي ضمان مشاركة عالية للجماعة الصفية في سبيل إنجاح الفعل التعليمي التعلمي.
المرحلة الرابعة: التقويم
وهي مرحلة فحص مدى تحقق أهداف العقد الديداكتيكي/البيداغوجي من لدن المدرس، حيث تغدو وظيفة هذا الأخير البيداغوجية خلال هذه المرحلة حاسمة للغاية، إذ يتعين عليه اختيار أنسب الآليات التقويمية قصد معرفة من مدى تحقق أهداف العقد، وذلك عبر استخدام نظام الفحص système d'audit الذي تثوي خلفه ثقافة تشاركية تربوية تروم تفعيل دمقرطة التعليم من خلال مشاركة المتعلمين في تقويم أهداف العقد. وخير دليل على هذه الوظيفة البيداغوجية الخاصة بالمدرس ما تروجه بيداغوجيا الإدماج في شقها التقويمي المتجسد في شبكات التحقق؛ حيث تعطى للمتعلم فرصة للتحقق الذاتي من مدى تلاؤم منتوجه مع المنتوج المنتظر.. وفق عقد ديداكتيكي/بيداغوجي بين المتعلم والمدرس. وهنا نستحضر البعد الإبداعي في الممارسة البيداغوجية، ووظيفة المدرس الأساسية في سبيل تقويم مدى تحقق أهداف العقد الديداكتيكي/البيداغوجي.
وصفوة القول، من الغفلة عدم الانتباه إلى الجانب غير المضيء في تبني المدرس والمتعلم معا لأسلوب العقد الديداكتيكي/البيداغوجي؛ حيث يظهر هذا الأخير كإطار تنظيمي، عندما تنهك أحد بنوده من طرف أحد الأعضاء المشكلين للعلاقة الديداكتيكية/الديداكتيكية. وهكذا نلاحظ مع الباحث محمد لمباشري بأن طبيعة الصعوبات التي يواجهها المتعلمون في بعض الأحيان تكون ناجمة إما عن الفهم السيء لبنود العقد الديداكتيكي/البيداغوجي أو عن رفضهم لها، ولكن هذا الرفض غالبا ما يكون مستترا وضمنيا لدى المتعلم المغربي لاعتبارات علائقية مشدودة لهاجس الخوف وعدم القدرة على المواجهة.
ومهما يكن، فإن التزام المدرس بوظيفته البيداغوجية في إطار ما يسمى بالعقد الديداكتيكي/البيداغوجي سيساعد لا محالة في تجويد الممارسة التربوية، وتحقيق أهدافها المرجوة بكثير من الاقتناع والليونة وبعيدا عن الممارسات التقليدية التي يحيل على التحكم المفرط والقمع المستفز والسيطرة المطلقة على المواقف التعليمية التعلمية والتي مع الأسف مازالت تستشري بقوة بمدارسنا المغربية، وبالمقابل فإن أهم شيء وجب أخذه بعين الاعتبار في تربية الأطفال – في نظر L. Ron Hubbar 1977- هو مشكلة تكوينهم دون تحطيمهم. عليكم أن تربوا طفلكم دون أن تتحكموا فيه، حتى يكون متحكما في ذاته في كل وقت.
جمال الحنصالي
باحث في علم التربية بإمنتانوت الاتحاد الاشتراكي
يفيد العالم التربوي (Mialaret, G/1979) بأن التعاقد البيداغوجي هو ذاك الإجراء البيداغوجي المقتبس من ميدان التشريع والصناعة، يقوم في إطار العمل التربوي على اتفاق تعاقدي بين طرفين هما المدرس والتلميذ، وينبني هذا الاتفاق على مفاوضة بينهما حول متطلبات المتعلم وأهداف التعليم وواجبات كل طرف وحقوقه، وأهداف ومرامي عملية التعليم والتكوين.
يكتسي العقد الديداكتيكي/البيداغوجي أهمية قصوى في مجال العلاقات البين فردانية القائمة بين الفاعل التعليمي والمتعلمين خصوصا في مجال اكتساب التعلمات، وتحقيق الأهداف المخصصة للنشاط التعليمي التعلمي. وبالتالي، ينبغي للمدرس أن يتعاقد مع تلامذته، وذلك عن طريق تحديد المهام والأدوار والوظائف والأعمال التي يجب أن يقوم بها كل طرف في علاقته مع الجماعة. فلا بد من تحديد واجبات وحقوق كل من التلميذ والمدرس على حد سواء، ويجب أن يبنى هذا التعاقد الديدكتيكي/البيداغوجي على زواج حرية المتعلم من جهة وسلطة المدرس وقدرته على ضبط القسم من جهة ثانية؛ وكي يحقق المتعلم أولا حريته، يرى الباحث حمد الله اجبارة، أنه عليه أن يعبر عن رغباته ويترجمها على شكل أفعال، تسيرها حوافزه الذاتية التي تميزه عن باقي أقرانه كذات لها طموحها، وطريقة اشتغالها، وأهدافه.. أما ما يخص سلطة المدرس وقدرته على ضبط القسم، فيمكن هنا أن نميز بين سلطتين هما:
أ – سلطة شخص ( أستاذا كان أم مديرا أم مشرفا )، متمكن من تخصصه مطلع على تخصصات الآخرين، ضابط لآليات اشتغاله. وهذه سلطة مشروعة وغالبا ما يقبلها التلاميذ لأنها مبنية على سلطة معرفية وليس على القمع والاستبداد؛ مبنية على الاقتناع. إن هذا النوع من السلطة يسهل عملية التواصل بين أفراد المجموعة داخل القسم الدراسي.
ب – سلطة شخص غير متمكن من تخصصه، غير مطلع على التخصصات التي تفيده، غير ضابط لآليات اشتغاله، وهذه سلطة غير مشروعة لا يقبلها التلاميذ لأنها مبنية على القمع. وهذا النوع يعوق عملية التواصل بين الأستاذ والتلاميذ.
لقد حدد (Pelpel 1986 ) المراحل التي ينبني عليها العقد الديداكتيكي/البيداغوجي، وسنحلل كل مرحلة على حدة مبرزين الوظيفة البيداغوجية للمدرس عند كل محطة.
المحطة الأولى: الإخبار
يكون مشتركا بين المتعاقدين متعلقا بالبرامج والأهداف ومدد الإنجاز والمعطيات المادية... ومن تم، فالوظيفة البيداغوجية للمدرس تبقى أساسية وحاسمة خلال هذه المحطة، حيث من الجائز أن يخبر الجماعة الصفية، بشكل صريح، بالأهداف والكفايات التي ينوي تحقيقها من خلال الوضعيات الديداكتيكية التي يحضرها ويعدها، فضلا عن وضع الجماعة الصفية في الصورة واطلاعها على القانون الداخلي للمؤسسة ومحتوى البرامج الدراسية والمنهاج Curriculum أيضا، وفق مقاربة شمولية تتغيا إشراك المتعلم في العملية التعليمية التعلمية بكل أبعادها، بغية تجويد الممارسة التربوية وتهيئ المتعلم لاتخاذ القرارات السليمة واكتسابه روح النقد والتفاعل مع المادة الدراسية ليس على أساس معطى مادي فحسب بل كصورة من صور التطبيقات الاجتماعية ذات البعد المعنوي.
المحطة الثانية: الالتزام
أي مساهمة كل طرف (المدرس والمتعلم) في التوقيع على العقد والالتزام ببنوده خلال إنجازه. ونظام الإلزام هذا هو بمثابة عقد بين المدرس والمتعلم، ومعنى هذا أن عنصر المفاجأة أو التشويق أصبح أمرا غير مرغوب فيه حيثما يتم تحديد الأهداف وإشعار المتعلم بها والتعاقد عليها بين طرفي العملية. وهنا يدخل الطرفان معا في إستراتيجية محكمة تفرزها طبيعة المادة المعدة للتدريس، وتتقلص حرية المدرس هنا لتخضع لوتيرة التعلم بمعنى أن كل خروج عن هذه الوتيرة هو في حد ذاته نقض لهذا العقد.
إن الصيغة الضمنية للعقد الديداكتيكي/البيداغوجي تسود حيثما التزم الأطراف بالمسؤوليات المحددة، وحالما يشذ التعليم عن مجراه يبرز هذا العقد بصيغة صريحة ويلزم العودة إلى تعديل مسار هذا النظام.
من خلال هذه القراءة التحليلية للمحطة الثانية تتضح بجلاء أن وظيفة المدرس البيداغوجية تتبدى في إقناع الجماعة الصفية بشكل سلس وممنهج وصريح بعيدا عن التسلط والعنف ومحاولة السيطرة على المواقف التعليمية التعلمية، بالالتزام العفوي والايجابي بالتعاقدات التي يتفق عليها الطرفان، وبالتالي، ضمان الانخراط التلقائي في جو العمل المدرسي أثناء مرحلة التفعيل والإنجاز. هنا يجب ألا يغيب عن بالنا أهمية «الالتزام» في الرقي بالفكر التربوي عامة ونقاء المناخ الذي تدور فيه أحداث الممارسة التربوية بخاصة.
ونتيجة لهذا التعاقد الصريح بين المدرس من جهة والتلميذ المستهدف الأول من العملية التقويمية التربوية من جهة أخرى، يلتزم الطرفان بهذا النمط أثناء تقييم الوضعيات الديداكتكية وإنجازها، رغبة في تسهيل التواصل التربوي وتيسير سبل التعامل مع الانتاجات التعليمية التعلمية للمتعلمين خلال المرحلة الابتدائي الأولى.
المحطة الثالثة: الضبط
ويتعلق الأمر بتدبير سير العمل ومراجعته من طرف المتعاقدين. هنا ستتضح الوظيفة البيداغوجية للمدرس كطرف في العقد الديداكتيكي/البيداغوجي؛ حيث ينبغي تدبير سير الممارسة البيداغوجية بعد مفاوضة الطرف الآخر في العقد البيداغوجي وهو المتعلمين وصولا إلى اتفاق إيجابي، كيف ذلك؟
نأخذ كمثال النصوص القرائية التي تروجها المدرسة عبر منهاجها الدراسي والتي لها علاقة بالمقررات الدراسية؛ إذ يستوجب منطق التعاقد الديداكتيكي/البيداغوجي أن يتم اختيار النص القرائي الأنسب للجماعة الصفية والذي يحاكي الواقع المعيش للمتعلم (أخذا بعين الاعتبار الوضعيات الدالة) ويلامس المستوى السوسيوثقافي للجماعة الصفية.. فوظيفة المدرس، بيداغوجيا، تكمن في التفاوض الإيجابي مع المتعلمين قصد اختيار النص القرائي الأجود والأنسب في إطار مبادئ التربية على الاختيار، دون أن يغفل المدرس الالتزام الضمني والرسمي مع التيمات التي تروجها المجالات التربوية وفق نظام الوحدات الديداكتيكية المعلن عليها، وبعبارة أخرى، الاتفاق مع المتعلمين حول النص القرائي المختار من طرفهم مع ضمان توافق قيمه البيداغوجية مع الكفايات المسطرة رسميا.
وكنتيجة لهذا الإجراء البيداغوجي، يحقق المدرس الكفايات النصية Compétences textuelles المرجوة من خلال تقديم النص القرائي المتفق حوله بمعية المتعلمين، وبالتالي ضمان مشاركة عالية للجماعة الصفية في سبيل إنجاح الفعل التعليمي التعلمي.
المرحلة الرابعة: التقويم
وهي مرحلة فحص مدى تحقق أهداف العقد الديداكتيكي/البيداغوجي من لدن المدرس، حيث تغدو وظيفة هذا الأخير البيداغوجية خلال هذه المرحلة حاسمة للغاية، إذ يتعين عليه اختيار أنسب الآليات التقويمية قصد معرفة من مدى تحقق أهداف العقد، وذلك عبر استخدام نظام الفحص système d'audit الذي تثوي خلفه ثقافة تشاركية تربوية تروم تفعيل دمقرطة التعليم من خلال مشاركة المتعلمين في تقويم أهداف العقد. وخير دليل على هذه الوظيفة البيداغوجية الخاصة بالمدرس ما تروجه بيداغوجيا الإدماج في شقها التقويمي المتجسد في شبكات التحقق؛ حيث تعطى للمتعلم فرصة للتحقق الذاتي من مدى تلاؤم منتوجه مع المنتوج المنتظر.. وفق عقد ديداكتيكي/بيداغوجي بين المتعلم والمدرس. وهنا نستحضر البعد الإبداعي في الممارسة البيداغوجية، ووظيفة المدرس الأساسية في سبيل تقويم مدى تحقق أهداف العقد الديداكتيكي/البيداغوجي.
وصفوة القول، من الغفلة عدم الانتباه إلى الجانب غير المضيء في تبني المدرس والمتعلم معا لأسلوب العقد الديداكتيكي/البيداغوجي؛ حيث يظهر هذا الأخير كإطار تنظيمي، عندما تنهك أحد بنوده من طرف أحد الأعضاء المشكلين للعلاقة الديداكتيكية/الديداكتيكية. وهكذا نلاحظ مع الباحث محمد لمباشري بأن طبيعة الصعوبات التي يواجهها المتعلمون في بعض الأحيان تكون ناجمة إما عن الفهم السيء لبنود العقد الديداكتيكي/البيداغوجي أو عن رفضهم لها، ولكن هذا الرفض غالبا ما يكون مستترا وضمنيا لدى المتعلم المغربي لاعتبارات علائقية مشدودة لهاجس الخوف وعدم القدرة على المواجهة.
ومهما يكن، فإن التزام المدرس بوظيفته البيداغوجية في إطار ما يسمى بالعقد الديداكتيكي/البيداغوجي سيساعد لا محالة في تجويد الممارسة التربوية، وتحقيق أهدافها المرجوة بكثير من الاقتناع والليونة وبعيدا عن الممارسات التقليدية التي يحيل على التحكم المفرط والقمع المستفز والسيطرة المطلقة على المواقف التعليمية التعلمية والتي مع الأسف مازالت تستشري بقوة بمدارسنا المغربية، وبالمقابل فإن أهم شيء وجب أخذه بعين الاعتبار في تربية الأطفال – في نظر L. Ron Hubbar 1977- هو مشكلة تكوينهم دون تحطيمهم. عليكم أن تربوا طفلكم دون أن تتحكموا فيه، حتى يكون متحكما في ذاته في كل وقت.
جمال الحنصالي
باحث في علم التربية بإمنتانوت الاتحاد الاشتراكي